كلية كمبوني للعلوم والتكنولوجيا
برنامج العلوم التربوية والدينية
المستوى الثالـــــث
مادة علم النفس التربوي
كثيراً ما نلاحظ إشارات التعلّم واضحة ، مثل تعلم الطفل التفضيل بين أنواع معينة من الحلوى والبسكويت ، أو تعلم اللغة ، أوأن يكتسب الدوافــــــــــــع الاجتماعية . لذا نبحث دوما ً عن الطريقة التي تعلموا بها هذه الاشياء أو الكيفية . وهذا ما تحاول نظريات التعلّم تفسيرها .
نتناول في هذا السمنار النظرية الشرطية وهي أحد نظريات التعلّم التي تحاول تفسير ظاهرة التعلّم وبعض المفاهيم الأساسية فيها ، كما نتطرق إلى رواد هذه النظرية متى نشأت هذه النظرية ؟ وبعض تجارب هذه النظرية وتطبيقاتها .
تعتبر مدرسة السلوكية أهم مدرسة لها إسهامات واضحة في مجال التعلّم وهي تعرّف التعلّم بأنها تغيير وتعديل في السلوك مستمر نسبياً . يحدث نتيجة لتدريب مستمر أو خبرات جديدة ، ومعنى هذا أننا لا نعتبر التغيير الذي يحدث نتيجة للنضج أو المرض أو الأفعال العكسية .
تنادي هذه النظرية بضرورة دراسة المثيرات البيئية بإعتبارها الممهدات الرئيسية التي تشكل سلوك الانسان ويكفي ذلك لدراسة سلوك الانسان بدلاً عن دراسة خلايا المخ ( الخلايا الدماغية ، ووصلاتها العصبية المعقدة ) ومايجول في الانسان من أفعال وأفكار ومشاعر .
وهذا يعني أن التعلّم ينجم عن الاداء الشرطي والمثيرات البيئية . وتقوم النظرية على تقنية مبادئ وقوانين التعلّم من مثير و إستجابة وتركز على أهمية المثيرات البيئية التي تحدث السلوك وتعمل على التحكم فيه ومن أهم هذه المثيرات البيئية العقاب و الثواب والتعزيز و الإنطفاء ونقل التعلّم بالترابط .
كما تنادي بدراسة سلوك الانسان بموضوعية كسائر الظواهر الطبيعية الاخرى ، ولكي يصبح علم النفس علماً لابد من أن تكون مادته ممكنة الملاحظة وإخضاعها للقياس والتقييم والتجريب فالسلوك الظاهر فقط يمكن ملاحظته وقياسه .
أشهر رواد المدرسة السلوكية هم الذين ساهموا في ظهورهذه النظريـــــة ومنهــــــــــــم :
1- عالم الفسيولوجي الروسي إيفان بافلوف ( 1849 – 1936 ) : وهو صاحب تجارب الأشتراط الكلاسيكي .
2- عالم النفس الامريكي ب.ف.اسكنر 1904م : صاحب الاشتراط الاجرائي
3- العالم الامريكي واطسن : صاحب تجربة التعميم .
4- عالم النفس الأمريكي إدوارد لي ثورنديك ( 1874 – 1949) : صاحب نظرية الارتباط .
أولاً : الاشتراط الكلاسيكي
Classical Conditioning )
يعود الفضل في ظهور نظرية الاشتراط البسيط أو الكلاسيكي إلى عالــــــــم الفسيولوجيا الروسي إيفان بافلوف ( 1849- 1936 ) الذي كان مهتمــــاً بدراسة فسيولوجيا الهضم لدي الكلاب عندما إكتشف بالصدفة الفعـــــــــل المنعكس الشرطي .فقد لاحظ إنه عندما كان يدخل إلى غرفة أن لعاب الكلاب تسيل قبل بداية التجربة ولم ينتبه إلى تلك الظاهرة لانه كان يهتم فقـــــــــــط بالجوانب الفسيولوجية في التجارب التي كان يقوم بها ، وقاده إستمرار تلك الظاهرة إلى أن يدرس أصل هذه الاستجابات .
وقد لاحظ بافلوف أن الكلب يسيل لعابه ليس لمجرد تقديم الطعام له ، وإنما بمجرد رؤية طبق الطعام . واصل دراسته عن طريق تعليم الكلاب أن تسيل لعابه نتيجة عوامل أخرى مثل رؤية أشياء كالضوء . أو إصدار أصوات عن طريق الشوكة الرنانة قبل تقديم الطعام . وفي كل مرة كان النجاح حليفه أي سال لعاب الكلاب في كل الحالات الاخرى .
وقد فسر بافلوف ظاهرة سيل اللعاب بمجرد سماع صوت الشوكة الرنانة بان الكلب قد تعلم توقع تقديم مسحوق اللحم .وإن صوت الشوكة الرنانة أكتسب القدرة على إفراز اللعاب وقد أطلق على هذه الظاهرة الفعل المنعكـــــــس الشرطي .
متغيرات السلوك الشرطي :
1. المثير غير الشرطي :
وهو أي مثير قوي يعمل على إظهار استجابة غير منتظم نسبياً ويمكن قياسها . وكان المثير غير الشرطي الذي استخدمه بافلوف في معظم تجاربه هو مسحوق الطعام .
2. الاستجابة غير الشرطية :
وهي الاستجابة غير الشرطية المنتظمة نسبياً والتي يمكن قياسها وتتكون عن طريق مثير غير شرطي . وكانت في تجارب بافلوف افراز اللعاب عند الكلب .وقد تكون الاستجابة غير الشرطية شد عضلة أو غلق عين أو تغير دقات القلب عند الانسان .
3. المثير الشرطي :
هو المثير الاصلي الذي يسبق تقديم المثير غير الشرطي ، في بعض التجارب التي أجراها بافلوف كان المثير هو ذبذبات صوت الشوكة الرنانة .
4. الاستجابة الشرطية :
هي الاستجابة المتعلمة التي تشبه الاستجابة غير الشرطية وكانت في تجارب بافلوف افراز اللعاب لمثير الصوت أو لمثيرات شرطية أخرى
الإجراءات التجريبية :
من الخواص الرئيسية في الإشتراط الكلاسيكي أن الاحداث أو المثيرات التي تقدم للكائن الحي في الموقف التجريبي يجب أن تكون مستقلة عن سلوكه . أي أن الحيوان لم يمر بمثل هذه المثيرات من قبل
لعل تتأثر الاستجابة الشرطية المطلوبة تكوينها بالخبرة السابقة .
لذا فإن الاستجابة سواء كانت سيل اللعاب أو سحب القدم لاتظهرعند تقديم المثيرات في المراحل الاولى .
ويمر تكوين الاستجابة الشرطية بثلاثة مراحل رئيسية على النحـــــــــــو التــــــالي :
المرحلة الاولى :
لايؤدي ظهور المثير الشرطي إلى تكوين أي إستجابات لدي الكائن الحي ، بينما يؤدي تقديم المثير غير الشرطي إلى تكوين الاستجــــــــــابة الشرطية المطلوبة هذه المرحلة تعتبر المرحلة تدريب الكائن الحي على تكوين الإستجابة الشرطية المطلوبة .
المرحلة الثانية :
بعد تكرار تقديم المثيرين الشرطي وغير الشرطي فإن أرتباط بينهما يتكون طبقاً لقانون الإقتران وبمجرد أن تتكون العلاقة الشرطية .
المرحلة الثالثة :
يصبح للمثير القدرة على إنشاء الاستجابة الشرطية في حالة غياب المثير غير الشرطي .
1/ ظاهرة الإنطفاء :
يحدث التعلّم الشرطي عندما يقترن المثير الشرطي والمثير الطبيعي لمرات عديدة لفترة من الزمن ، ثم تستمر الاستجابة الشرطية للمثير الشرطي وحده ،ثم تبدأ الإختفاء تدريجياً حتى تنتهي تماماً ويسمى ذلك بالانطفاء والسبب غالباً ما يكون غياب التعزيز المستمر .
2/ الإسترجاع التلقائي :
أما إذا إنقطعت الاستجابة الشرطية تماماً فإنه يمكننا إحياؤها مرة أخرى ، عن طريق تقديم تعزيز المناسب الذي يعمل على إسترجاع الاستجابة الشرطية نسبة لعودة اقتران المثير الشرطي والمثير الطبيعي .
3/ التعميم :
وهي تتلخص إنه في حالة أحدث مثير معين استجابة معينة فإن المثيرات المشابهة لها تحدث نفس الاستجابة . وتمثل تجربة العالم الأمريكي الشهير واطسن على الفأر الابيض مثالاً حياً لها .
4/ التمييز :
هو عملية مكملة للتعميم ، فالتعميم ينجم عن المثيرات ، أما التمييز فهو الإنتباه إلى وجود إختلافات بين المثيرات فيكون رد الفعل بناءاً على هذا الانتباه ، أي ان الاستجابة تأتي تبعاً لهذا الاختلافات .
ثانياً : الاشتراط الاجرائي : ( Operation Conditioning )
الإشراط الاجرائي – ويسمى أحياناً بالتعلّم الادائي– وهو أسلوب آخر لدراسة السلوك ، ويقوم على مبادئ التعلّم ، وأول من نادى به هو عالم النفس الامريكي اسكنر من خلال تجربته الشهيرة ( صندوق اسكنر ) .
التجــــــــربة :
صمم اسكنر صندوقاً – سُمي باسمه فيما بعد – و وضع بداخله فأراً والصندوق خال إلا من رافعة صحن للطعام ، كما يوجد في سقف الصندوق ضوء يمكن إنارته . يقود الشعور الحبس الفأر للقيام بحركات وقفزات بصورة عشوائية الا أن يصادف رجلاه الرافعة فيركب عليه ، حينئذٍ يربط المشرف على التجربة سلة الطعام مع الرافعة بحيث تنزل حبات الطعام متتالية على الصحن الداخلي كلما ضغط الفأر على الرافعة .وكلما أكل الفأر الطعام كله و ضغط على الرافعة نزل الطعام مرة أخرى على الصحن الداخلي فيتعلم الفأر الضغط على الرافعة لان نزول الطعام يعزز هذا السلوك .
عليه قام اسكنر وتلاميذه وبينوا مفهوم ومبادئ النظرية أو السلوك الاجرائي الذي يكمل الإشراط الكلاسيكي حيث يعتمدان المبادئ الخاصة بالتعلّم .
لقد فرّق اسكنر بين نوعين من السلوك سماهما السلوك الاستجابي والسلوك الاجرائي . فالإستجابي هو الذي يأتي بإعتباره نتيجة مباشرة لحدوث المثير كما في حالة الافعال المنعكسة غير الشرطية كسيلان لعاب الكلب بسبب وجود الطعام تعتبر استجابة منعكسة ، أما السلوك الاجرائي هو سلوك يؤديه الفرد إختياريا ً من أجل التحكم في البيئة التي يعيش فيها .
مما تقدم نجد أن الفرق بين الإشراط الكلاسيكي والإشراط الإجرائي أن الكلب أو الفأر في حالة الإشراط الكلاسيكي لايقوم بأي عمل ينتج عنه تعلم بل يكون
في حالة سلبية عكس الفأر في الإشراط الإجرائي الذي يقوم بعمل معين ينتج عنه تعلم .
بناءً على ماتقدم يمكن أن يمكن تعريف الإشراط الجرائي على انه تقوية الربط بين المثير والاستجابة وذلك بأن يأتي المعزز أو المدعم مباشرة بعد الاستجابة كما في حالة نزول الطعام للفأر بعد ضغطه للرافعة . وعلى هذا يفسر أنصار اسكنر الجزء الاكبر من سلوك الانسان بإعتباره سلوكاً إجرائياً أدائياً مثل :
إدارة المفتاح السيارة أو تألييف قطعة أدبية .
كانت هذه التجربة الشهيرة مفتاحاً للمزيد من الدراسات حول أثر البيئة على السلوك التي يوصل عن طريقها اسكنر إلى عبارته الشهيرة السلــــــــــوك محكوم بنتائجه وألف اسكنر كتابه الشهير( Beyond freedom and Dignity ) الذي وصف فيه كيفية توجيه السلوك وتغيير العقل عن طريق البيئة والتحكم فيها وعُرف بتكنولوجيا السلوك البشري كما إبتدع اسكنر اسلوب التعـــــــــــلم المبرمج الذي استخدم فيه التكنولوجيا الحديثة موظفاً إياها لفكرة التعلم
• تشكيل السلوك :
هو أسلوب منتقى في التعلم يقوم المدرب بتعزيز الاستجابات ال تي يريدها وإطفاء الإستجابات غير المطلوبة .
• أساليب الهرب والابتعاد
إذا استخدم المدرب معززات سلبية بدلا عن الايجابية ، مثل إعطاء صدمة كهربائية كهربائية للفأر بدلا عن تقديم الطعام فإن الفأر في حركته العشوائية يضغط على الرافعة معينة فيختفي التيار الكهربي ، بعد فترة من الزمن يتعلم الفأر تجنب الصدمة بالضغط على الرافعة . وهذا النوع من التعلم يسمى بالتعلم الاشراط الهروبي .
هذا السلوك الابتعادي هو الذي يجعل الانسان يتفادى ويبتعد عن الاشياء أو مواقف تبدو مؤلمة له .
• إنتقال التعلم
وهو يعني إنتقال أثرالتعلم من موقف ما إلى تعلم موقف آخر له أو تربطه به صلة ، وهذا ما يوضح تأثير مبدأ التعميم المذكور آنفاً
• إنتقال أثر التدريب
هو أن يؤثر التدريب الذي إكتسبه الفرد في موضوع معين على تعلمه في موضوع آخر له صلة بالموضوع الاول . مثل تعلم الفرد قيادة الشاحنات الكبيرة من خلال تدريبه السابق على قيادة السيارات الصغيرة.
• تنظر المدرسة السلوكية إلى المعرفة على أنه عملية المثير والاستجابة وتركز على أهمية المثيرات البيئية التي تحدث بعد السلوك .
• المعلم هو المدرب الذي عليه أن يجيد إختيار المثيرالمناسب ليجــــــــــد الاستجابة الشرطية المناسبة .
• أفضت نظرية الاشتراط الاجرائي باسكنر إلى وضع أسلوب للتعليم المبرمج الذي استخدم فيه التكنولوجيا الحديثة .
• تم إستنباط معظم مبادئ التعلم من نظرية الاشراط الكلاسيكي .
• أن دور إعادة تأهيل ( سجون - ملاجئ ) هي اكثر من إستفادت من قواعد هذه في تأهيل نزلاءها وفقاً لمبدأ المثير والإستجابة .
1- د/ طلعت منصور وآخرون ، علم النفس التربوي ، مكتب الأنجلو المصرية ، الطبعة الاولى ، القاهرة 1984م .
2- د/ محمد الامين وأحمد محمد الحسن ، علم النفس العام ، مطبوعات جامعة المفتوحة ، الطبعة الاولى ، الخرطوم